احترام المساجد بين غياب الوعي وتجاوزات العادة

ثلاثاء, 05/06/2025 - 12:08

من منا لم يلاحظ تلك الظاهرة الجديدة والمتكررة والتي تخرج عن روح المساجد ومقاصدها؟ وهي تحوّل بعض عقود القِران إلى تجمّعات صاخبة داخل بيوت الله، حتى أن   صاحب الدعوة ليقف على باب الجامع يستقبل الضيوف وكأنه أمام منزله!!!
  وفي الداخل تعلو الأصوات، وتختلط الأحاديث، حتى تُفقد الجامع هيبته وسكينته.

رغم أن عقد القران في المسجد ليس محرمًا في ذاته، بل قد يكون مرغوبًا إن روعيت فيه الآداب، إلا أن ما يصاحب ذلك من ممارسات خارجة عن أدب المسجد هو ما يجب التنبيه عليه والإبتعاد عنه.

المسجد بيت الله.. لا قاعة أفراح

قال الله تعالى:

> "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" (النور: 36)

 

فالمساجد أماكن رُفعت لعبادة الله، لا للضجيج والاختلاط والمجاملات الاجتماعية. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت فيها، فقال:

> "إن المساجد لم تُبْنَ لهذا، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن." (رواه مسلم)

 

وجاء عنه أيضًا:

> "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك. وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك." (رواه الترمذي)

 

فكيف إذا تجاوز الناس ذلك إلى الضجيج والتنقل بالأحذية، والمزاح، والتجمعات الصاخبة؟!

 

المساجد فضاءات للتأمل والسكينة

المساجد مواضع خُصصت لتربية القلوب، وترقيق الأرواح، والإنفصال عن صخب الحياة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم حتى عن رفع الصوت بتلاوة القرآن إذا أدى إلى التشويش، حيث قال:

> "لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن." (رواه مالك وصححه الألباني)

 

أما رفع الصوت بالكلام الدنيوي، والمجاملات، والتقاط الصور، ونحو ذلك، فهو أولى بالإنكار.

وقال الله تعالى في أدب الصوت في حضرة النبوة:

> "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ" (الحجرات: 2)

 

فهل من الأدب أن نرفع أصواتنا في بيت الله الذي يُذكر فيه اسمه آناء الليل وأطراف النهار؟

عقد القران خارج المسجد لا ينقص من بركته

النكاح عقد مبارك، يتم بشروط شرعية: الإيجاب، والقبول، والشهود. ويمكن إتمامه في أي مكان طاهر. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعقد الأنكحة في المسجد إلا نادراً، بل كان يعقدها في البيوت أو في حضرته. لذلك، فإن تخصيص المسجد لعقد القران عادة اجتماعية وليست سنة نبوية، ويجب أن لا يُجعل المسجد ساحة لتقاليد قد تسيء لقدسيته.

دخول المسجد بالأحذية: عادة مستهترة ومخالفة لتعظيم بيوت الله 

من الظواهر المتكررة أيضًا: دخول بعض الناس إلى المسجد بالأحذية، بدعوى أنهم يتحاشون أن يدوسوا بنعالهم على الفراش ولا يسيرون إلا على البلاط! وهذا فيه استخفاف ظاهر بحرمة المكان ككل؛ فهو فضاء متصل تبدأ قدسيته من أول عتبة .وقد قال الله تعالى لموسى عليه السلام:

 

> "فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى" (طه: 12)

 

 

 

فكيف بمن يدخل بيت الله بنعله متجاوزًا أدب المكان وقدسيته؟

 

ولئن كان جواز الدخول بالنعلين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لمصلحة، فإن تركه أولى في وقتنا اتقاءً للأذى، وحفاظًا على نظافة المسجد وراحته.

 

 تعظيم بيوت الله من تقوى القلوب

 

يجب أن نستعيد احترام المساجد، ونعيد لها هيبتها، وندعو الناس بلطف إلى مراعاة المقصد الشرعي من هذه البيوت الطاهرة، فقد قال الله تعالى:

 

> "وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج: 32)

 

 

 

فلنكن من أهل التقوى، ولنجعل من زيارتنا للمسجد تجديدًا للنية والطهارة والسكون، لا مناسبة للهو والتقليد والإبتداع .

 

الحاج أحمد اديدبي